فصل: تفسير الآيات (49- 51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (49- 51):

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الاستعجال بالأفعال لا يطلب من الرسول، وكان الإخبار باستهزائهم وشدة عماهم ربما أفهم الإذن في الإعراض عنهم أصلًا ورأسًا قال سبحانه وتعالى مزيلًا لذلك منبهًا على أن مثله إنما يطلب من المرسل، لا من الرسول: {قل} أي لهم، ولا يصدنك عن دعائهم ما أخبرناك به من عماهم {يا أيها الناس} أي جميعًا من قومي وغيرهم {إنما أنا لكم نذير} أي وبشير، وإنما طواه لأن المقام للتخويف، ويلزم منه الأمن للمنتهى فتأتي البشارة، ولأن النذارة هي المقصود الأعظم من الدعوة، لأنه لا يقدم عليها إلا المؤيدون بروح من الله {مبين} أي لكل ما ينفعكم لتلزموه.
ويضركم فتتركوه لا إله، أعجل لكم العذاب؛ ثم تسبب عن كونه مبينًا العلم بأن وصف البشارة مراد وإن طوي، فدل عليه سبحانه بقوله تفضيلًا لأهل البشارة والنذارة: {فالذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان {وعملوا} أي تصديقًا لدعواهم ذلك {الصالحات لهم مغفرة} لما فرط منهم من التقصير لأنه لن يقد أحد أن يقدر الله حق قدره.
ولما كان هذا أول الإذن في القتال، الموجب لمنابذة الكفار، ومهاجرة الأهل والأموال والديار، وكان ذلك- مع كونه في غاية الشدة- موجبًا للفقر عادة، قال محققًا له ومنبهًا على أنه سبب الرزق: {ورزق} أي في الدنيا بالغنائم وغيرها، والآخرة بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {كريم} لا خسة فيه ولا دناءة بانقطاع ولا غيره أصلًا ما داموا على الاتصاف بذلك، هذا فعل ربهم بهم عكس ما وصف به مدعو الكفار من أن ضره أقرب من نفعه.
ولما كان في سياق الإنذار، قال معبرًا بالماضي زيادة في التخويف: {والذين سعوا} أي أوقعوا السعي ولو مرة واحدة بشبهة من الشبه ونحوها {في آياتنا} أي التي نصبناها للدلالة علينا مرئية أو مسموعة {معاجزين} أي مبالغين في فعل ما يلزم- في زعمهم- منه عجزنا، ومعجزين، أي مقدرين أنهم يعجزوننا بإخفائهم آياتنا، وإضلال الناس وصدهم عهنا بألقاء الشبه والجدال، اتباعًا للشيطان المريد، من غير علم ولا هدى ولا كتب منير كشبه الاتحادية الذين راج أمرهم على كثير من الناس مع أنه لا شيء أوهى من شبههم ولا أظهر بطلانًا، ولذلك راج أمرها على أهل الغباوة، فإن الداعية منهم يقول لمن يغره: هذا الظاهر من الكلام لا يقول به عاقل، فالمراد به أسرار دقيقة، وراء طور العقل، لا يوصل إليه إلا بالرياضة والكشف، وما درى المغرور أن أبا طالب كان أعقل من هذا الذي ينسب إليه ذلك الكفر الظاهر، فإن شعره أحسن من شعره، وبديهته أعظم من بديهته، ورؤيته أحكم من رؤيته، وقد رأى من الآيات من النبي- صلى الله عليه وسلم- ما لا مزيد عليه، مع أن له من القرابة ما هو معروف، ومن المحبة ما يفوت الحصر، ومع ذلك فقد أصرّ من الضلال ما لا يرضاه حمار لو نطق، على أن هذا المغرور قد لزمه- بتحسين الظن بهؤلاء الكفرة- إساءة الظن بأشرف الخلق: النبي- صلى الله عليه وسلم- في قوله «من رأى منكم منكرًا»- الحديث الذي في بعض رواياته: «وليس وراء ذلك أي الإنكار بالقلب- مثقال حبة من إيمان» وقد أفردت لبيان ضلالهم كتبًا لما استطار من شرهم، ومس من ضرهم، منها المطول والمختصر، لا مزيد على بيانها وظهور سلطانها {أولئك} البعداء البغضاء {أصحاب الجحيم} أي استحقاقًا بما سعوا، فإن شاء تاب عليهم، وإن شاء كبهم فيها، ليعلموا أنهم هم العاجزون، هذا في الآخرة، وسيظهر سبحانه في الدنيا أيضًا عجزهم، بكشف شبههم ومج القلوب النيرة لها، مع ذلهم وانكسارهم، وهوانهم وصغارهم، حتى لا يقدروا أن ينطقوا من ذلك ببنت شفة، علمًا منهم أن مثلها لا يقوله عاقل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله: {قُلْ يا أيها الناس إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} فالمعنى أنه تعالى أمر رسوله بأن يديم لهم التخويف والإنذار، وأن لا يصده ما يكون منهم من الاستعجال للعذاب على سبيل الهزؤ عن إدامة التخويف والإنذار، وأن يقول لهم إنما بعثت للإنذار فاستهزاؤكم بذلك لا يمنعني منه.
{فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)}.
اعلم أنه تعالى لما بين للرسول صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن يقول لهم أنا نذير مبين أردف ذلك بأن أمره بوعدهم ووعيدهم، لأن الرجل إنما يكون منذرًا بذكر الوعد للمطيعين والوعيد للعاصين.
فقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات فجمع بين الوصفين وهذا دليل على أن العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان وبه يبطل قول المعتزلة ويدخل في الإيمان كل ما يجب من الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، ويدخل في العمل الصالح أداء كل واجب وترك كل محظور، ثم بين سبحانه أن من جمع بينهما فالله تعالى يجمع له بين المغفرة والرزق الكريم.
أما المغفرة فإما أن تكون عبارة عن غفران الصغائر، أو عن غفران الكبائر بعد التوبة، أو عن غفرانها قبل التوبة، والأولان واجبان عند الخصم، وأداء الواجب لا يسمى غفرانًا، فبقي الثالث وهو دلالته على العفو عن أصحاب الكبائر من أهل القبلة.
وأما الرزق الكريم فهو إشارة إلى الثواب، وكرمه يحتمل أن يكون للصفات السلبية، وهو أن الإنسان هناك يستغني عن المكاسب وتحمل المشاق والذل فيها وارتكاب المآثم والدناءة بسببها، وأن يكون للصفات الثبوتية، وهو أن يكون رزقًا كثيرًا دائمًا خالصًا عن شوائب الضرر، مقرونًا بالتعظيم والتبجيل.
والأولى جعل الكريم دالًا على كل هذه الصفات، فهذا شرح حال المؤمنين.
وأما حال الكفار فقال: {والذين سَعَوْاْ في ءاياتنا معاجزين} والمراد اجتهدوا في ردها والتكذيب بها حيث سموها سحرًا وشعرًا وأساطير الأولين، ويقال لمن بذل جهده في أمر: إنه سعى فيه توسعًا من حيث بلغ في بذل الجهد النهاية، كما إذا بلغ الماشي نهاية طاقته فيقال له سعى، وذكر الآيات وأراد التكذيب بها مجازًا.
قال صاحب الكشاف: يقال سعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه، أما المعاجز فيقال عاجزته، أي طمعت في إعجازه، واختلفوا في المراد، هل معاجزين لله أو للرسول وللمؤمنين، والأقرب هو الثاني لأنهم إن أنكروا الله استحال منهم أن يطمعوا في إعجازه وإن أثبتوه فيبعد أن يعتقدوا أنهم يعجزونه ويغلبونه، ويصح منهم أن يظنوا ذلك في الرسول بالحيل والمكايد.
أما الذين قالوا المراد معاجزين لله، فقد ذكروا وجوهًا: أحدها: المراد بمعاجزين مغالبين مفوتين لربهم من عذابهم وحسابهم حيث جحدوا البعث وثانيها: أنهم يثبطون غيرهم عن التصديق بالله ويثبطونهم بسبب الترغيب والترهيب وثالثها: يعجزون الله بإدخال الشبه في قلوب الناس والجواب: عن الأول أن من جحد أصل الشيء لا يوصف بأنه مغالب لمن يفعل ذلك الشيء، ومن تأول الآية على ذلك فيجب أن يكون مراده أنهم ظنوا مغالبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يقوله من أمر الحشر والنشر والجواب: عن الثاني والثالث أن المغالبة في الحقيقة ترجع إلى الرسول والأمة، لا إلى الله تعالى.
أما قوله تعالى: {أولئك أصحاب الجحيم} فالمراد أنهم يدومون فيها وشبههم من حيث الدوام بالصاحب، فإن قيل إنه عليه السلام في هذه الآية بشر المؤمنين أولًا وأنذر الكافرين ثانيًّا، فكان القياس أن يقال: قل يا أيها الناس إنما أنا لكم بشير ونذير، قلنا الكلام مسوق إلى المشركين، ويا أيها الناس نداء لهم، وهم الذين قيل فيهم {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض} [الحج: 46] ووصفوا بالاستعجال وإنما ألقى ذكر المؤمنين وثوابهم في البين زيادة لغيظهم وإيذائهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي ءَآيِاتِنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه تكذيبهم بالقران، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه عنادهم في الدين، قاله الحسن.
{مُعَجِزِينَ} قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون {مُعَاجِزِينَ} فمن قرأ {معجزين} ففي تأويله أربعة أوجه:
أحدها: مثبطين لمن أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي.
الثاني: مثبطين في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد.
والثالث: مكذبين، حكاه ابن شجرة.
الرابع: مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزة في إيمانه.
ومن قرأ {مُعَاجِزِينَ} ففي تأويله أربعة أوجه:
أحدها: مشاققين، قاله ابن عباس.
والثاني: متسارعين، حكاه ابن شجرة.
والثالث: معاندين، قاله قطرب.
والرابع: مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ الله هربًا، قاله السدي. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)}.
المعنى {قل} يا محمد {إنما أنا نذير} عذاب ليس إلى أن أعجل عذابًا ولا أن أؤخره عن وقته، ثم قسم حالة المؤمنين والكافرين بأن للمؤمنين سترة ذنوبهم ورزقه إياهم في الجنة، والكريم صفة نفي المذام، كما تقول ثوب كريم، وأن للكافرين المعاجزين عذاب {الجحيم} وهذا كله مما أمره أن يقوله، أي هذا معنى رسالتي لا ما تتمنون أنتم، وقوله: {سعوا} معناه تحيلوا وكادوا من السعاية، والآيات: القران، أو كادوه بالتكذيب وسائر أقوالهم، وقرأت فرقة، {معاجزين}، ومعناه مغالبين كأنهم طلبوا عجز صاحب الآيات والآيات تقتضي تعجيزهم فصارت مفاعله، وعبر بعض الناس في تفسير {معاجزين} بظانين أنهم يفلتون الله وهذا تفسير خارج عن اللفظة، وقرأت فرقة {معجّزين} بغير ألف وبشد الجيم ومعناه معجزين الناس أي جاعلوهم بالتثبيط عجزة عن الإيمان وقال أبو علي: {معجزين} ناسبين أصحاب النبي إلى العجز كما تقول فسّقت فلانًا وزنيته إذا نسبته إلى ذلك. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ورِزقٌ كريم} يعني به الرزق الحَسَن في الجنة.
قوله تعالى: {والذين سَعَوا في آياتنا} أي: عملوا في إِبطالها {مُعاجِزين} قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {مُعجِزين} بغير ألف.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {مُعاجِزين} بألف.
قال الزجاج: {مُعاجِزين}.
أي: ظانِّين أنهم يُعجزوننا، لأنهم ظنوا أنهم لا يُبعثون وأنه لا جنة ولا نار، قال: وقيل في التفسير: مُعاجِزين: معانِدين، وليس هو بخارج عن القول الأول؛ و{معجزين} تأويلها: أنهم كانوا يعجِّزون من اتَّبع النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويثبِّطونهم عنه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ يا أيها الناس} يعني أهل مكة.
{إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ} أي منذر مخوِّف. وقد تقدّم في البقرة الإنذار في أوّلها.
{مُّبِينٌ} أي أبيّن لكم ما تحتاجون إليه من أمر دينكم.
{فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} يعني الجنة.
{والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا} أي في إبطال آياتنا.
{مُعَاجِزِينَ} أي مغالبين مشاقيّن؛ قاله ابن عباس.
الفَرّاء: معاندين.
وقال عبد الله بن الزبير: مثبّطين عن الإسلام.
وقال الأخفش: معاندين مسابقين.
الزجاج: أي ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أن لا بعث، وظنوا أن الله لا يقدر عليهم؛ وقاله قتادة.
وكذلك معنى قراءة ابن كثير وأبي عمرو {مُعَجِّزِين} بلا ألف مشدّدًا.
ويجوز أن يكون معناه أنهم يعجزون المؤمنين في الإيمان بالنبيّ عليه السلام وبالآيات؛ قاله السُّدِّي.
وقيل: أي يَنْسُبون من اتبع محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العجز؛ كقولهم: جهّلته وفسّقته.
{أولئك أَصْحَابُ الجحيم}. اهـ.

.قال أبو حيان:

ثم أمر نبيه أن يقول لأهل مكة {يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير} من عذاب الله موضح لكم ما تحذرون أو موضح النذارة لا تلجلج فيها، وذكر النذارة دون البشارة وإن كان التقسيم بعد ذلك يقتضيهما لأن الحديث مسوق للمشركين، و{يا أيها الناس} نداء لهم وهم المقول فيهم {أفلم يسيروا} والمخبر عنهم باستعجال العذاب وإنما ذكر المؤمنون هنا وما أعد الله لهم من الثواب ليغاظ المشركون بذلك وليحرضهم على نيل هذه الرتبة الجليلة التي فيها فوزهم، وحصر النذارة لأن المعنى ليس لي تعجيل عذابكم ولا تأخيره عنكم وإنما أنا منذركم به.
وقال الكرماني: التقدير بشير و{نذير} فحذف والتقسيم داخل في المقول، والسعي الطلب والاجتهاد في ذلك، ويقال: سعى فلان في أمر فلان فيكون بإصلاح وبإفساد وقد يستعمل في الشر، يقال: فيه سعى بفلان سعاية أي تحيل، وكاد في إيصال الشر إليه وسعيهم بالفساد في آيات الله حيث طعنوا فيها فسموها سحرًا وشعرًا وأساطير الأولين، وثبطوا الناس عن الإيمان بها.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال والزعفراني {معجزّين} بالتشديد هنا وفي حرفي سبأ زاد الجحدري في جميع القران أي مثبطين، وقرأ باقي السبعة بألف، وقرأ ابن الزبير {معجّزين} بسكون العين وتخفيف الزاي من أعجزني إذا سبقك ففاتك.
قال صاحب اللوامح: لَكِنه هنا بمعنى معاجزين أي ظانين أنهم يعجزوننا، وذلك لظنهم أنهم لا يبعثون.
وقيل: في {معاجزين} معاندين، وأما معجّزين بالتشديد فإنه بمعنى مثبطين الناس عن الإسلام، ويقال: مثبطين.
وقال الزمخشري: عاجزه سابقه لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه، فالمعنى سابقين أو مسابقين في زعمهم وتقديرهم، طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم انتهى.
وقال أبو على الفارسي: معجزين معناه ناسبين أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى العجز كما تقول: فسقت فلانًا إذا نسبته إلى الفسق.
وتقدم شرح أخرى هاتين الجملتين الواردتين تقسيمًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ يا أيها الناس إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
أنذركم إنذارًا بيِّنًا بما أُوحي من أنباء الأمم المهلكة من غير أن يكونَ لي دخل في إتيانِ ما تُوعدونه من العذاب حتَّى تستعجلوني به والاقتصارُ على الإنذارِ مع بيان حالِ الفريقين بعدَه لما أُشير إليه من أنَّ مساقَ الحديث للمشركين وعقابِهم وإنَّما ذُكر المؤمنون وثوابُهم زيادةً في غيظهم.
{فالذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لما ندرَ منهم من الذُّنوبِ {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} هي الجنَّةُ. والكريمُ من كلِّ نوع ما يجمعُ فضائلَه ويحوزُ كمالاتِه.
{والذين سَعَوْاْ في ءاياتنا معاجزين} أي سابقين أو مُسابقين في زعمِهم وتقديرهم طامعين أنَّ كيدَهم للإسلام يتمُّ لهم. وأصلُه من عاجزَهُ وعجزَه فأعجزَه إذا سابقَه فسبقَه لأنَّ كُلًا من المتسابقينَ يريدُ إعجازَ الآخر عن اللَّحاق بهِ. وقرئ {مُعجزين} أي مُثبِّطينَ النَّاسَ عن الإيمان على أنَّه حالٌ مقدَّرةٌ {أولئك} الموصوفون بما ذُكر من السَّعيِ والمُعاجزة {أصحاب الجحيم} أي ملازمُوا النَّارَ المُوقدةِ، وقيل: هو اسم دَرْكةٍ من دَرَكاتِها. اهـ.